التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بنو إلياس سلالة صغدية حكمت كرمان من بلاد فارس في القرن الرابع الهجري، أسَّسها أبو علي محمد بن إلياس الصغدي، وسقطت على يد عضد الدولة البويهي.
أبو علي محمد بن إلياس الصُغدي
بنو إلياس سلالة صُغدية حكمت كَرْمان من بلاد فارس في (القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي)، أسَّسها أبو علي محمد بن إلياس بن اليسع الصغدي.
بلاد كرمان
أمَّا عن بلاد كرمان، قال ياقوت الحموي: "كَرْمَانُ: بالفتح ثم السكون، وآخره نون، وربَّما كُسِرَت والفتح أشهر بالصحة...، ولاية مشهورة وناحية كبيرة معمورة ذات بلاد وقرى ومدن واسعة بين فارس ومكران وسجستان وخراسان، فشرقها مكران ومفازة ما بين مكران والبحر من وراء البلوص، وغربها أرض فارس، وشمالها مفازة خراسان، وجنوبها بحر فارس، ولها في حدِّ السيرجان دخلة في حدِّ فارس مثل الكمِّ وفيما يلي البحر تقويس، وهي بلادٌ كثيرة النخل والزرع والمواشي والضرع تُشبَّه بالبصرة في كثرة التمور وجودتها.
ومن مدنه المشهورة: جيرفت، وموقان، وخبيص، وبم، والسيرجان، ونرماسير، وبردسير، وغير ذلك، وبها يكون التوتيا ويُحمل إلى جميع البلاد، وأهلها أخيار أهل سنَّة وجماعة وخير وصلاح، إلَّا أنَّها قد تشعَّثت بقاعها واستوحشت معاملها وخربت أكثر بلادها لاختلاف الأيدي عليها وجور السلطان بها؛ لأنَّها منذ زمنٍ طويلٍ خلت من سلطانٍ يُقيم بها؛ إنَّما يتولَّاها الولاة فيجمعون أموالها ويحملونها إلى خراسان، وكلُّ ناحيةٍ أُنفقت أموالها في غيرها خربت إنَّما تعمر البلدان بسكنى السلطان، وقد كانت في أيام السلجوقية والملوك القارونية من أعمر البلدان وأطيبها ينتابها الركبان ويقصدها كلُّ بكر وعوان".
تأسيس دولة بني إلياس
كان أبو علي محمد بن إلياس بن اليسع الصغدي في بداية حياته قائدًا في جيش الدولة السامانية، فغضب عليه نصر بن أحمد الساماني وسجنه، ثم شفع له محمد بن عُبَيد الله البلعمي فأخرجه نصر وسيَّره إلى جرجان، ولمـَّا خرج إِخوة نصر عليه في بخارى بقيادة يحيى بن أحمد سنة 317هـ=929م، انضمَّ محمد ابن إِلياس إليهم، ولمـَّا ضعف أمرهم وتفرَّقوا، استأمن محمد بن إلياس إلى "ماكان بن كالي" في نَيْسابور، فبدأ اسمه بالظهور وقوي أمره فيها.
ولمـَّا خرج "ماكان بن كالي" إلى جُرجان، أمر محمد بن إلياس بالخطبة ليحيى بن أحمد أخي نصر في المساجد، ونتيجة لإلحاح نصر في القضاء على ثورة إخوته وتوجُّهه إلى نيسابور، خرج محمد بن إلياس إلى كرمان سنة 320هـ=932م وسيطر عليها، وأسَّس فيها دولةً له، واتَّخذ من قلعة بَرْدَسير مركزًا لحصانتها بعد أن كانت سيرجان هي عاصمة كرمان.
طمع محمد بن إلياس بالتوسُّع في المناطق المحيطة به، فخرج إلى بلاد فارس، وبلغ اصطخر، وأراد أن يحتال على حاكمها، ولكن حيلته انكشفت فعاد إلى كرمان، ويبدو أنَّ محاولات التوسُّع ضايقت نصر بن أحمد الساماني، فأرسل جيشًا لقتاله بقيادة "ماكان بن كالي"، فانهزم محمد بن إلياس واستولى "ماكان بن كالي" على كرمان نيابةً عن نصر بن أحمد.
وفرَّ محمد بن إلياس إلى الدِيْنوَر، ومكث هناك يترقَّب الفرصة للعودة حتى سنحت له؛ حين كلف نصر بن أحمد سنة 324هـ=936م "ماكان بن كالي" بقتال "وَشْمَكير" في جرجان والري، فدخل محمد بن إلياس كرمان وتحصَّن بالقلعة، فحاصرته جيوش السامانيِّين فيها، ثم انسحبت لتحرك جيش أحمد بن بويه (معز الدولة) باتجاه كرمان في محاولةٍ للسيطرة عليها، ومع انتصار معزِّ الدولة على محمد بن إلياس الذي تراجع إلى سجستان، فإنَّ عودة معزِّ الدولة إلى فارس بأمرٍ من أخيه عماد الدولة، فسح في المجال لمحمد ابن إلياس ثانيةً باستعادة كرمان، وصفت الأمور له إلَّا ما كان من خلافه مع ابنه إليسع الذي فرَّ إلى عضد الدولة البويهي، وأقام عنده حتى اصطلح مع أبيه.
استطاع محمد بن إلياس أن يحصل على اعتراف الخليفة العباسي المطيع بالله (334- 363هـ=946- 974م) بدولته، وأرسل له الخليفة سنة 348هـ=960م لواء وخِلعة، وازداد نفوذه بمصاهرة البويهيين؛ إذ زوج ابنته من بختيار بن معزِّ الدولة، ولمـَّا أُصيب محمد بن إلياس بالفالج، جمع أبناءه اليسع وإلياس وسليمان، ووزَّع عليهم أملاكه، فولَّى ابنه إليسع حكم كرمان، ومن بعده إلياس، وأَمر ابنه الثالث سليمان بالذهاب إلى بلاد الصغد لتحصيل أموالٍ له هناك، وكان يقصد إبعاده لعداوته لأخيه إليسع.
لم يرض سليمان بذلك، فاستولى على سرجان، وأخذ أموالًا عظيمةً من عشائر الُقفْص والبَلُوص، فغضب والده وأرسل إليه أخاه إليسع بجيشٍ لقتاله وإخراجه من سرجان ففعل، وتوجَّه سليمان إلى خراسان.
نمَّ البعض على إليسع ووشوا به إلى أبيه، فقبض عليه وسجنه في القلعة، فاستغلَّت والدتا إليسع وإلياس غشية كانت تنتاب محمد بن إلياس وأخرجتا إليسع من السجن حفاظًا على بقاء كرمان تحت حكم ولديهما، وأطاع الجند إليسع، وهرب منه من كان قد أفسد حاله مع أبيه، وطلب الأب من ابنه الأمان على ماله وأهله حتى يسلم إليه القلعة والأموال وجميع أعمال كرمان، ورحل بعدها إلى خراسان، فأكرمه الأمير منصور بن نوح الساماني وأحسن إليه وقرَّبه منه، وأقام محمد بن إلياس عنده إلى أن تُوفِّي سنة 356هـ=967م.
كان محمد بن إلياس في أثناء حكم كرمان يجري مجرى المتصعلكين، ويُشارك صعاليك القُفْص والبلوص، فحصل عنده مال عظيم جمعه في قلعة بردسير، ومع ذلك فإنَّه اهتمَّ بتشييد الأبنية العامَّة، وكان يتصدَّق ويُحسن إلى الفقراء.
إليسع بن محمد بن إلياس
صفت أمور كرمان لإليسع، وأراد توسيع حدود دولته على حساب أملاك البويهيين، فغضب عضد الدولة البويهي، واستمال بعض أصحاب إليسع، فتألَّبوا على إليسع وفارقه ألف رجلٍ من وجوه أصحابه دفعةً واحدة، وتسلَّلوا إلى عضد الدولة، ولمـَّا أدرك إليسع أنَّه لا قِبَلَ له بعضد الدولة، توجَّه بأهله وماله إلى بخارى، واستولى عضد الدولة على كرمان، ودخل قلعة بردسير وأخذ ما فيها سنة 357هـ=968م، وسقطت بذلك دولة بني إلياس في كرمان.
وفي بخارى أكرم السامانيون إليسع، ولكنَّه أخذ يذمهم لقعودهم عن نصرته وإعادته إلى ملكه، فنفوه إلى خوارزم بعد أن استولوا على ماله وأثقاله، وأصابه هناك رمدٌ شديدٌ أقلقه، حتى إنَّه أقدم على قلع عينه الرَّمِدَة بيده، وما لبث أن تُوفِّي سنة 358هـ=969م.
سليمان بن محمد بن إلياس
حاول سليمان بن محمد بن إلياس العودة إلى كرمان سنة 359هـ=970م وأطمع الأمير الساماني منصور بن نوحٍ بها، مدَّعيًا أنَّ له أنصارًا هناك، فأرسله إليها، فدخلها واستفحل أمره بها وعظم جمعه، ولكنَّ نائب عضد الدولة بكرمان حاربه وانتصر عليه، وقُتِل سليمان وولدا أخيه إليسع بكر والحسين وعددٌ كبيرٌ من القادة وغيرهم، وأخذ عضد الدولة يتتبَّع كلَّ من ساعد سليمان وينقلهم عن المناطق الخصبة، وأسكن مكانهم الأَكَّارين والزرَّاع، حتى عمرت تلك الأراضي.
الحسين بن علي بن إلياس
كما قام الحسين بن علي بن إلياس بمحاولةٍ أخيرة لاسترجاع ملك بني إلياس مستغلًا حركات التمرُّد التي نشبت في كرمان سنة 364هـ=975م على عضد الدولة البويهي، فجمع جمعًا من خراسان وسار إلى كرمان وناصرته فيها جموعٌ كثيرة، فقاتله عضد الدولة على باب جيرفت حتى هزمه، وأخذه أسيرًا ولم يُعرف ما حلَّ به بعدها، وَصَفَتْ كرمان لعضد الدولة البويهي.
___________________
المصادر:
-مسكويه: تجارب الأمم وتعاقب الهمم، طبعة شركة التمدن الصناعية - مصر، 1914م.
- ابن الأثير: الكامل في التاريخ، دار صادر – بيروت، 1966م.
التعليقات
إرسال تعليقك